ترجمة الإمام مالك بن أنس
نسبه:
هو إمام دار الهجرة أبوعبدالله مالك بن أنس بن مالك ابن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خُثَيل بن عمرو بن الحارث ـ وهو ذو أصبحَ ـ ابْنِ عَوْف بْنِ مَالِك بْنِ زَيْد بْنِ عَامِر بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَبْت بْنِ مَالِك بْنِ زَيْد بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأ بْنِ مُعْرِب - وَإِنَّمَا سُمِّيَ مُعْرِبًا لِفَصَاحَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَقَامَ اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ - بْنِ مُهَرِّمٍ وَهُوَ قَحْطَانُ[1] الأصبحي الحِميري. من الأذواء وهم ملوك اليمن لأنهم يزيدون للملِك في عَلَمه "ذو" تعظيما لصاحب الاسم .... فالإمام مالك رضي الله عنه عربي حميري أصبحي بلا اختلاف بين أهل العلم بالأنساب، وكان أسلافه حلفاء لبني تيم من قريش فكانوا ينتسبون إلى التيميين بولاء الحلف على عادة العرب [2] قال القاضي عياض[3] :لم يختلف العلماء بالسير والخبر والنسب في نسب مالك هذا واتصاله.
أما أُمه فهي: العالية بنت شريك بن عبدالرحمن بن شريك الأَزدية[4] ومما يتصلُ بوِلادة مالك قول الزبير بن بكارت256ه :حُملَ بمالك بن أنس به ثلاث سنين[5]
مولـــده
ولد الإمام مالك رضي الله تعالى عنه سنة ثلاث وتسعين للهجرة ـ عام موت أنس ـ رضي الله عنه ـ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهناك روايات أخرى تجعل تاريخ مولده دائراً بين سنوات: 90هـ إلى 97هـ أما مكان مولده فيدعى ب (ذي المروة) قرية كانت شمال غرب المدينة المنورة وهي منها "على ثمانية برد "=: 178كلم [6] : مندثرة ـ الآن ـ تقع على بعد 192 كيلو مترا شمالي المدينة المنورة، ثم انتقلت الأسرة إلى العقيق، وهو على بضعة أميال من المدينة =4 كلم في طريق مكة.[7] ويُستشفُّ من أخبار الإمام أنه كان ساكنا بالعقيق سنة قدوم الإمام الشافعي عليه: 165هـ قال: قدمت على مالك وأنا ابن خمس عشرة سنة [8] وذكرَ العقيقَ [9]
أسرة الإمام مالك وتسلسل العلم فيها:
تتحدثُ المصادر عن تسلسل العلم في آباء الإمام مالك وأعمامه فتقول: كان أبو الإمام وجده من فقهاء التابعين، فأبوه ـ أنس بن مالك ـ كان محدثاً قال عنه ابن حبان : "من جلة المدنيين ومُتقنيهم " [10] وجده الأول: أحد الأربعة الذين حملوا عثمان - رضي الله عنه - إلى قبره ليلا ودفنوه بالبقيع، وكان من كبار التابعين، يروي عن : عمر وطلحة بن عبيد الله وعائشة وأبي هريرة وحسان بن ثابت قال الذهبي : [11]وكان ثقة فاضلا توفي سنة أربع وسبعينَ وأبوه: ـ أبو عامر رضي الله عنه ـ صحابي شهد المغازي كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلا بدرا [12] وأعمامه مُحدِّثون منهم : الربيع بن مالك ذكره ابن حبان في الثقات [13] قال ابن الأثير[14] " كنيته : أبو مالك توفي 160ه" وعمه الثاني ـ بعدَ أُويس ـ :نافع بن مالك ـ كنيته : أبو سهيل ـ يروى عن ابن عمر وأنس بن مالك وسهل بن سعد، وسعيد بن المسيب، وأكثرَ عن أَبِيهِ. ت140ه [15] وهو من رجال الصحيحين [16] وعمه الثالث ـ أكْبَرُ أعمامه ـ : أويس بن مالك ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات [17] وابن عمه المباشر : عبد الله بن عبدالله بن أويس بن مالك كان من مشاهير المحدثين قال الحافظ المزي :روى له الجماعة سوى البخاري [18] ت 167ه[19] واستمر العلم في رجال هذا البيت ـ بعد مالك ـ فمنهم إسماعيل بن عبدالله ابن أبي أويس ـ ابن أخت الإمام مالك ت226ه ـ كان محدثاً روى عنه الشيخان في صحيحيهما[20] وكان قارئا قال الذهبي: قرأ القرآن على نافع، وهو آخر أصحابه ، وعليه قرأ: أحمد بن صالح المصريّ، وغيره [21] ومن أعلام البيت المالكي : الحافظ المحدثُ : عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ت 202ه روى له البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي[22] ومنهم يحيى بن مالك بن أنس كان محدثاً ـ روى الموطأ عن أبيه ـ وذكره ابن حبان في الثقات[23] فقال: "سكن اليمن وحدثَهم، عَن أبيه بالموطأ، مستقيم الحديث" ومنهم حفيد الإمام مالك : محمد بن يحيى بن مالك قال عنه ابن يونس الصدفي المصري في تاريخه :"مدينيّ قدم مصر، ومات بها في ذي القعدة سنة ثماني عشرة ومائتين"
نشأة الإمام مالك:
نشأ الإمام مالك في المدينة المنورة، فحفظ القرآن الكريم، ثم حفظ الحديث، وجالس العلماء.
قال رضي الله عنه: قلت لأمي: أذهب فاكتب العلم؟ فقالت: تعال فالبس ثياب العلم. فألبستني ثيابا مشمرة[25] ووضعت الطويلة على رأسي[26] وعممتني فوقها، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن. وكانت تقول: اذهب الى ربيعة، فتعلم من أدبه قبل علمه.
شيوخ الإمام مالك:
أخذ الإمام مالك العلم عن جمهرة من شيوخ التابعين وروى عنهم الأحاديث بالسند الثنائي عن ثلاثمائة من التابعين كما أخذ عن ستمائة من أتباعهم. روى ابن عدي في الكامل [28]( قال أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَينة، يَقُولُ: لَقِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الزُّهْريَّ فَعَلِمَ مِنْهُ، وَلَقِيَ نافع فَعَلِمَ مِنْهُ، وَلَقِيَ عَبد اللَّهِ بْنَ يَزِيد بْنِ هُرْمُزَ فَعَلِمَ مِنْهُ، وَلَقِيَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبد الرَّحْمَنِ فَعَلِمَ مِنْهُ، وَلَقِيَ يَحْيى بْنَ سَعِيد فَعَلِمَ مِنْهُ) وقد أفردَ شيوخه بالتأليف جماعة من العلماء منهم: عبد الملك بن حبيب السلمي ت239ه ومحمد بن عبد الله البرقي ت 249ه والإمام: مسلم بن الحجاج النيسابوري ت261ه وكثير غيرهم ومن الكتب الموجودة في تراجم شيوخه كتاب: أسماء شيوخ مالك بن أنس لأبي بكر محمد بن إسماعيل ابن خَلْفون الأندلسي ت 636ه نشرته مكتبة أضواء السلف ـ الرياض :1425ه ونتناول في هذه العجالة أبرز شيوخه:
1 – ربيعة ابن أبي عبد الرحمن: المتوفى سنة (136هـ).
هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فروخ التيمي مولاهم، أبو عثمان المدني، المعروف بربيعة الرأي، روى له الستة، وكان صاحب الفتوى بالمدينة، وكان من الأجواد، أنفق على إخوانه أربعين ألف دينار، ولما قدم السفاح المدينة أمر له بمال فلم يقبله.
قال مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة.
روى الإمام عنه في الموطأ: اثني عشر حديثاً، وإذا قال مالك في الموطأ: (هذا ما أدركت أهل العلم ببلدنا، والأمر عندنا كذا). عني بذلك ربيعة،
2– نافع مولى عبدالله بن عمر ت117هـ في خلافة هشام بن عبدالملك[30] ونافع هذا ذو مكانة عظيمة وعالية في العلم والدين بعثه عمر بن عبدالعزيز إلى مصر ليعلمهم القرآن والسنن[31] وكان يلقب بفقيه المدينة. ومالك في الطبقة الأولى من أصحاب نافع.
قال الخليلي: ((نافع من أئمة التابعين بالمدينة، إمام في العلم متفق عليه، صحيح الرواية ... ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه))
قال مالك رضي الله عنه: كنت آتي نافعاً نصف النهار، وما تظلني الشجر من الشمس، أتحين خروجه، فإذا خرج أدعه ساعة كأني لم أره، ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه، حتى إذا دخل البلاط أقول له: كيف قال ابن عمر في كذا وكذا؟ فيجيبني، ثم أحبس عنه، وكان فيه حدة.
وكان مالك يقول: كنت إذا سمعت من نافع بحديث عن ابن عمر لا أبالي أن لا أسمعه من غيره.
3ـ محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري ت125هـ ـ وهو أول مدوني الحديث ـ روى عنه في الموطأ مائة اثنين وثلاثين حديثا، وهو أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام قال مالك: كان ابن شهاب من أسخى الناس، ماله في الناس نظير وهو من أول المدونين للحديث والأثر قال السيوطي:
أول جامعي الحديث والأثرْ ابن شهاب آمراً لَهُ عُمَرْ.
قال مالك:
شهدت العيد، فقلت: هذا يوم يخلو فيه ابن شهاب، فانصرفت من المصلى حتى جلست على بابه، فسمعته يقول لجاريته: انظري من بالباب، فسمعتها تقول له: مولاك الأشقر مالك، قال: أدخليه، فدخلتُ، فقال: ما أراك انصرفت بعد إلى منزلك، قلت: لا، قال: هل أكلت شيئاً؟ قلت: لا، قال: أطعم، قلت: لا حاجة لي فيه.
قال فما تريد؟ قلت: تحدثني، قال: هات، فأخرجت ألواحي، فحدثني بأربعين حديثا، فقلت: زدني، قال: حسبك إن كنت رويت هذه الأحاديث، فأنت من الحفاظ، قلت: قد رويتها، فجبذ الألواح من يدي، ثم قال: حدّث، فحدثته بها، فردها إلي وقال: قم، فأنت من أوعية العلم.
4ـ هشام بن عروة بن الزبير ت 146هـ روى عنه في الموطأ ثمانية وأربعين حديثا
5ـ يحيى بن سعيد القطان الأنصاري ت 143ه
6ـ سعيد بن أبي سعيد المقبري ت 123هـ
7ـ عامر بن عبد الله بن الزبير ت 124هـ
8ـ عبد الله بن دينار ت 127هـ
9 – أبو بكر عبد الله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفى سنة (148هـ).
روي عن مالك أنه قال: انقطعت إلى ابن هرمز سبع سنين لم أخلطه بغيره، وكنت أجعل في كمي تمراً، وأناوله صبيانه، وأقول لهم: إن سألكم أحد عن الشيخ فقولوا: مشغول.
وقال مالك: إن كان الرجل ليختلف للرجل ثلاثين سنة يتعلم منه، فكنا نظن أنه يريد نفسه مع ابن هرمز وكان ابن هرمز استحلفه أن لا يذكر اسمه في حديث.
وروي عن مالك أنه قال: كنت آتي ابن هرمز بكرة، فما أخرج من بيته حتى الليل.
وروى الطبري عن ابن زبالة قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كنت آتي ابن هرمز فيأمر الجارية، فتغلق الباب وترخي الستر، ثم يذكر أول هذه الأمة، ثم يبكي حتى تخضل لحيته
10ـ إسحق بن عبد الله ابن أبي طلحة الأنصاري ت 132هـ
11ـ زيد بن أسلم ت 136ه
12ـ زياد بن سعد ـ نزيل مكة ـ ت 150ه
هؤلاء الشيوخ وغيرهم ممن أخذ عنهم الإمام مالك كانوا بالمدينة، وممن يرد عليها في موسم الحج، فلم يذكر عن مالك رضي الله عنه أنه رحل في طلب العلم.
بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالإمام مالك
أخرج الترمذي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه وأحمد والنسائي، عن أبي هريرة: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة".
وكان جمع من السلف يرونه مالكاً، منهم:
سفيان بن عيينة، وعبد الرحمن ابن مهدي، وعبد الملك بن جريج، ووكيع بن الجراح، والإمام الأوزاعي، وعبد الرزاق ـ صاحب المصنف ـ والنسائي، وصحيح ابن حبان
قال الذهبي: لم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكاً في العلم والفقه والجلالة، والحفظ.
مكانة الإمام مالك في العلم والحديث
قال سفيان بن عيينة عن مالك رضي الله عنه: "كان لا يبلّغ من الحديث الا صحيحاً، ولا يحدّث الا عن ثقات الناس، وما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موت مالك بن أنس"
قال أبو موسى يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: مالك وابن عيينة القرينان – يعني: في الأثر – ولولا مالك وابن عيينة، لذهب علم الحجاز.
قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر
قال الشافعي رضي الله عنه: إذا جاءك الحديث عن مالك، فشدّ به يديك.
وقال: إذا جاءك الأثر، فمالك النجم.
وقال: إذا ذكر العلماء، فمالك النجم، وما أحدٌ أمَنَّ عليَ من مالك بن أنس.
وقال: مالك بن أنس معلمي، وعنه أخذت العلم.
وقال: كان مالك بن أنس إذا شك في الحديث، طرحه كله.
وقال: مالك حجة الله تعالى على خلقه بعد التابعين.
انتهاء أصول العلم إلى مالك:
بارك الله للإمام مالك في وقته وفي جهده فرزقه الحفظَ والضبطَ وجمعَ له علمَ المتقدمينَ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام قال الحافظ ابن الجوزي في "تسمية الذين انتهت إليهم أصول العلم: روى أبو بكر الخطيب بإسناد له عن علي بن المديني قال انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام إلى ثلاثة ـ ممن أُخذَ عنهم العلم ـ:
عبد الله بن مسعود زيد بن ثابت عبد الله بن عباس فأخذ عن ابن مسعود ستة علقمة الأسود عبيدة الحارث بن قيس مسروق عمرو بن شرحبيل
وانتهى علم هؤلاء إلى إبراهيم النخعي والشعبي ثم انتهى علم هؤلاء إلى أبي إسحاق والأعمش ثم انتهى علم هؤلاء إلى سفيان الثوري قال وأخذ عن زيد بن ثابت أحد عشر رجلا ـ ممن كان يتبع رأيه ويقتدى به ـ: قبيصة بن ذويب خارجة بن زيد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عروة بن الزبير أبو سلمة بن عبد الرحمن أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث القاسم بن محمد سالم بن عبد الله سعيد بن المسيب أبان بن عثمان سليمان بن يسار ثم صار علم هؤلاء كلهم إلى ثلاثة: ابن شهاب وبكر بن عبد الله بن الأشج وأبي الزناد ثم صار علم هؤلاء كلهم إلى مالك بن أنس "[43]
وغير بعيد من هذا ما نقله البويطي ت231ه عن الشافعي قال : سمعت الشافعي يقول : أصول الأحكام نَيِّفٌ وخمسمائة حديث كلها عن مالك إلا ثلاثين حديثا [44] قال الدهلوي [45]: وَبِه وبأمثاله قَامَ علم الرِّوَايَة وَالْفَتْوَى
رواية أكابر شيوخه عنه:
انتشرت سمعة مالك العلمية واشتهرت عدالتُه ـ وهو لايزال شاباًـ فرجع إليه شيوخه في بعض المسائل وصرّحوا بالروية عنه والإسناد إليه ـ رغم مالهم من مكانة وسنٍّ عالية ـ روى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: «قَلَّ رَجُلٌ كُنْتُ أَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَاتَ حَتَّى جَاءَ فَسَأَلَنِي» [46] واستعراض هذين النموذجين كفيلٌ بالدلالة على ما تقدمَ ، فقد روى عنه شيخه التابعي الحافظ محمد بن شهاب الزهري ت 124ه حديث سكنى المعتدة التالي:
1ـ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ، عَنِ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ زَوْجَهَا تَكَارَى عُلُوجًا لَهُ فَقَتَلُوهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي لَسْتُ فِي مَسْكَنٍ لَهُ، وَلا يَجْرِي عَلَيَّ مِنْ رِزْقٍ، فَأَنْتَقِلُ إِلَى أَهْلِ أَبْيَاتِي فَأُقِيمُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: «اعْتَدِّي حَيْثُ بَلَغَكِ الْخَبَرُ» [47]
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ـ الرازي ـ : رَوَى هَذَا الْخَبَرُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ [48]
كما روى عنه شيخه التابعي الحافظ يحيى بن سعيد الأنصاري ت 148ه حديثَ احتلاب الماشية ـ دون إذن صاحبها ـ وهو:
2ـ حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَعْنِي الْأَنْصَارِيَّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فِيهَا طَعَامُهُ فَيُؤْكَلُ»
موطأ الإمام مالك باكورة التدوين الواصلة إلينا:
قال الدهلوي في حجة الله البالغة: فالطبقة الأولى منحصرة بالاستقراء فِي ثَلَاثَة كتب، الْمُوَطَّأ، وصحيح البُخَارِيّ، وصحيح مُسلم. قَالَ الشَّافِعِي: أصح الْكتب بعد كتاب الله موطأ مَالك، وَاتفقَ أهل الحَدِيث على أَن جَمِيع مَا فِيهِ صَحِيح على رَأْي مَالك وَمن وَافقه، وَأما على رَأْي غَيره فَلَيْسَ فِيهِ مُرْسل وَلَا مُنْقَطع إِلَّا قد اتَّصل السَّنَد بِهِ من طرق أُخْرَى، فَلَا جرم أَنَّهَا صَحِيحَة من هَذَا الْوَجْه، وَقد صنف فِي زمَان مَالك موطآت كَثِيرَة فِي تَخْرِيج أَحَادِيثه وَوصل منقطعه، مثل كتاب ابْن أبي ذِئْب وَابْن عُيَيْنَة وَالثَّوْري وَمعمر وَغَيرهم مِمَّن شَارك مَالِكًا
فِي الشُّيُوخ، وَقد رَوَاهُ عَن مَالك بِغَيْر وَاسِطَة أَكثر من ألف رجل وَقد ضرب النَّاس فيه أكباد الْإِبِل إِلَى مَالك من أقاصي الْبِلَاد كَمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكره فِي حَدِيثه، فَمنهمْ المبرزون من الْفُقَهَاء كالشافعي وَمُحَمّد بن الْحسن، وَابْن وهب وَابْن الْقَاسِم، وَمِنْهُم نحارير الْمُحدثين كيحيى بْن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَعبد الرَّزَّاق، وَمِنْهُم الْمُلُوك والأمراء كالرشيد وابنيه، وَقد اشْتهر فِي عصره حَتَّى بلغ على جَمِيع ديار الْإِسْلَام، ثمَّ لم يَأْتِ زمَان إِلَّا وَهُوَ أَكثر لَهُ شهرة وَأقوى بِهِ عناية، وَعَلِيهِ بنى فُقَهَاء الْأَمْصَار مذاهبهم حَتَّى أهل الْعرَاق فِي بعض أَمرهم، وَلم يزل الْعلمَاء يخرجُون أَحَادِيثه، ويذكرون متابعاته وشواهده، ويشرحون غَرِيبه، ويضبطون مشكله ويبحثون عَن فقهه، ويفتشون عَن رِجَاله إِلَى غَايَة لَيْسَ بعْدهَا غَايَة.
حِلية الإمام مالك
كان الإمام مالك طويلا، جسيماً، عظيم الهامة، أبيض الرأس واللحية.[51] وكان وجهه شديد البياض وكان بياض وجهه إلى الصفرة، حسن الصورة، وكان واسع العين، أصلع الرأس، أشم الأنف .
وكانت لحيته عظيمة تبلغ صدره.. وكان يأخذ أطراف شاربه ولا يحلقه ولا يبالغ في قصّه.. وكان يترك له سبلتين طويلتين. (هما طرفا الشارب).
وجاء في الديباج المذهب عن مصعب الزبيري: كان مالك من أحسن الناس وجهاً، وأجلاهم عيناً، وأنقاهم بياضاً، وأتمهم طولاً في جودة بدن.
وفاة الإمام مالك
توفي الإمام مالك رضي الله عنه في ربيع الأول يوم الأحد لتمام اثنين وعشرين يوماً من مرضه في سنة تسع وسبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد.
توفي صبيحة 14 من ربيع الأول 179هـ في خلافة هارون الرشيد. يوم الأحد
قال الثعالبي: يُقَال إِنَّه لم يمدح عَالم بِأَحْسَن من قَول ابْن الْخياط في الإِمَام مَالك بن أنس رضى الله تَعَالَى عَنهُ:
يَأْبَى الْجَوَابَ فَمَا يُرَاجَعُ هَيْبَةً ... وَالسَّائِلُونَ نَوَاكِسُ الأَذْقَانِ
أَدَبُ الْوَقَارِ وَعِزُّ سُلْطَانِ التُّقَى ... فَهُوَ الْمُطَاعُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ
خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى2/500 علي السمهودي الحسني
تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير ص: 335دار الأرقم